عند هؤلاء ثأركم أيها الدروز

بعد المجزرة القذرة التي نفذتها داعش بحق أهلنا الدروز في السويداء ظهرت تسجيلات وشهادات عديدة تتحدث عن ظروف المجزرة، تسجيلات من قبيل سحب النظام لمسلحين دروز إلى درعا وحوض اليرموك بحجة قتال داعش، وأخرى حول سحب النظام للسلاح من يد بعض القرى المحاذية لداعش، وقصص حول تلكؤ أمن وجيش النظام بتقديم يد المساعدة، بينما كان إعلام النظام وتلفزيونه مستعداً وسبق كل هؤلاء كما أوردت الروايات، وكلها روايات صحيحة لكن أخطرها كان في قراءة عدم منع المجزرة أصلاً، وذلك بواقعتين.
أول الواقعتين تتلخص في يوم المجزرة، فقد كان القصف الهائل مستمراً على مناطق سيطرة داعش (ومعظم ضحاياه بالمناسبة من المدنيين كما عودنا الروس والنظام والتحالف الأمريكي ومن المؤكد أن عددهم فاق كثيراً من سقط في السويداء)، وهو قصف يترافق عادةً بتصوير ورقابة جوية لكل متر مربع ولكل ما قد يتحرك عبر طائرات روسية بدون طيار خبرها الجميع ومنهم أهل الغوطة وداريا الذين كانوا لا يستطيعون التحرك إلا ضمن الأنفاق وإلا فالقصف الدقيق المركز ينتظرهم خلال دقيقة واحدة، والسؤال هنا وفي ظل قصف ومعركة قائمة مع داعش: كيف لقوافل مسلحي داعش أن تنطلق وتتحرك وتصل وبعضها يعود بهذه السهولة دون أن تلاحظها طائرات المراقبة الروسية (بدون طيار) ودون إطلاق قذيفة واحدة أو غارة واحدة عليها من قبل النظام!!! والأمر هنا أكثر من تشكيك وتحليل خيالي بل هو اتهام وإدانة للنظام والروس حتى إثبات العكس.
لكن الواعة الثانية والأمر الأخطر والذي كان ممكنا لمنع المجزرة لم يتطرق إليه أحد، كل لأسبابه ومنها عدم إغضاب أصحاب العلاقة خوفاً منهم أو لأنهم أولياء نعمة البعض، وهي معلومات وليست اتهامات وبإمكان العشرات من أصحاب العلاقة تأكيدها.
فمع إلحاح فصائل الجنوب على مدى سنوات، رفضت أمريكا بإصرار ولمرات في غرفة الموك (وبتجاهل وعدم مبالاة إسرائيلية من وراء ستار) تقديم أي مساعدة عسكرية من تسليح أو غطاء جوي أو حتى السماح لفصائل درعا بالقضاء على داعش وفتح معركة مع داعش تحت تهديد قطع الدعم عن الفصائل إن فعلوا (بنفس الطريقة التي لجموا فيها الفصائل من فتح معارك مع النظام الأسدي)، وهو دعم مالي وتسليحي بشرط عدم فتح معركة مع النظام او داعش وظل مستمراً حتى بضعة أشهر سبقت رفع الغطاء الأمريكي واجتياح الروس، وهو ما سبب الكثير من الصعوبات لفصائل الجنوب التي كانت منشغلة دائماً بحماية خاصرتها وظهرها من غدر داعش والنظام، وهكذا رفضت غرفة الموك الأمريكية بذل أي جهد أو تقديم أي مساعدة لقتال داعش مع كل صراخهم وحججهم الكاذبة بأنهم موجودون لمحاربة الإرهاب، بينما كانوا دائماً ينسقون مع الروس (ومن خلفهم الإيرانيون والنظام الأسدي) في هذا الشأن متفقين معهم على عدم فتح معركة مع داعش بانتظار لحظة مناسبة سياسيا لكل هؤلاء على حساب قوى الثورة.
وهكذا اتفق الأمريكان والموك مع الروس والإيرانيين والنظام الأسدي منذ فترة قصيرة على القضاء على فصائل الثورة في الجنوب لإعادته إلى سلطة النظام كأولوية قبل حرب داعش التي يتحجج بها الأمريكان (والموك) والروس والإيرانيون والنظام الأسدي وإسرائيل، خوفاً من أن تسيطر فصائل الثورة على مناطق داعش التي كانوا يريدون النظام بديلاً فيها كما الكرد الانفصاليون في الشمال وليس قوى الثورة التي كانت هدفهم وعدوهم الأول، لذلك اتفقوا على القضاء على الثورة في الجنوب وعودة النظام الأسدي وتأجيل “مسمار جحا” أي داعش باعتبارها ضرورة لهؤلاء حتى تنفيذ كل منهم مآربه.
الإخوة الدروز … عدوكم ودماؤكم برقبة هؤلاء الذين أصروا على إبقاء داعش حتى اليوم مع أن القضاء عليها كان متاحاً وبدمائنا وطلباً ملحاً لنا، وقضوا على من كان يريد القضاء عليها، متوقعين بل ومتأملين بأن تقوم داعش بما قامت به ليتحججوا بها ويسوقونكم وراء مخططاتهم، هم لم يقعوا اتفاقيات مع داعش؛ أقصد الأمريكي والموك والإسرائيلي والروسي والإيراني والنظام الأسدي، لكنهم شركاء داعش بالمعنى الحرفي لكلمة شراكة بالولوغ في دمائكم، هم وليس أهل حوران المغلوبين على أمرهم الذين دفعوا خلال سبع سنوات دماءً وتهجيراً ومعاناة الكثير وهم على مرمى حجر منكم، بينما عشتم بأمان لا يقارن خلال تلك الفترة، وبالكاد عشتم مجزرة واحدة وبضع حوادث على يد إرهاب داعش هي بمجموعها نقطة في بحر ما عانى منه أهل حوران من إرهاب النظام الأسدي وأسياده الروسي والإيراني (واخيراً داعش) على مدى سبع سنوات، ففي آخر حملة فقط سقط 500 شهيد وتهجر ربع مليون وتم تدمير ربع حوران ولا حاجة للتذكير بعشرات المجازر والمعاناة السابقة.
إخوتنا الدروز … دمائكم وعرضكم وأرضكم كدمائنا وعرضنا وأرضنا، ليست أرخص لكنها أيضاً ليست أغلى، عدوكم ليس داعش فقط بل من منع عامداً القضاء على داعش المجاورة لكم وغض الطرف عن كل الاحتمالات وتجاهل كل الإجراءات الواجبة، وأغمض عينيه يوم المجزرة، ولأن النظام الأسدي وحلفاءه عدونا الأكبر والأول ولنا برقبته الكثير الكثير من الدماء والأعراض والأرض؛ وهو بالنسبة لنا كما داعش بالنسبة لكم؛ لذلك نذكركم بأن من يطلب ثأره لا يرفع راية الشريك الضمني للقاتل ويلف بها توابيت 250 من ضحاياه بينما هي الراية التي قتلت منا مليوناً، كما أن من تثور حميته ويطلب ثأره العادل لا يجتمع وينسق مع أمن ومخابرات ومحافظ وأدوات ومخبري الشريك الضمني للقاتل، ولا يسمح له ولأذنابه تدنيس أرضه وموقفه (عزائه)، ومن يطلب ثأره العادل لا يحترمً ولا ينسق مع ضابط روسي مجرم شريك ضمناً حتى النخاع وعن عمد بعدم منع هذه الجريمة التي تلت آخر اجتماعاتكم معهم وربما كانت نتيجة له.
أهلنا الدروز … عدوكم ليس أهل حوران حتماً، ولا حتى البدو، كما أن عدوكم ليس فقط داعش، وإلا فقدت النخوة والثأر معناها عندما توجه لمعاقبة الأداة بينما يُترك المجرم الأكبر رفعاً للعتب أو خوفاً منه أو تفريغاً لنوازع لا علاقة لها بالحدث، وكلها أمور ليست شأنكم وقدركم حتماً، فأعدائكم أيضاً ليسوا الأداة “داعش” فقط بل هم من منعونا من القضاء على داعش خلال سنوات ثم قضوا على من كان منا باستطاعته القضاء عليها، تماماً كما فعلوا في كل سوريا وهم من عددناهم في البداية مع تابعهم وخادمهم النظام الأسدي … هؤلاء هم أعدائكم أيضاً ودمائكم برقبتهم إلى جانب داعش “الأداة”، هم أعدائكم لا مجازاً بل حقيقة وواقعاً وتآمراً عليكم، فداعش هي الشيطان والإرهاب الأصغر وهم الشيطان والإرهاب الأكبر والمسؤول الأول عن ما حصل لكم، وثأركم منهم كما ثأركم من داعش، وهنا فقط تكون النخوة الحقيقية والثأر الصادق العادل، فقط هنا ولا معنى ولا طعم ولا شرف فيما سواه، فإما نظرٌ بعين النخوة الحقيقية وإما الصمت.
إخوتنا الدروز … أنتم اليوم أمام خيارين في ثأرين وطريقين، طريق وثأر عدونا السفاح عصام زهر الدين تحت راية القتل الأسدية، وطريق وثأر الباشا السلطان الذي كان قائداً للثورة السورية الكبرى تحت راية علم ثورتنا واستقلالنا بالأمس وثورتنا اليوم، وتذكروا ما قاله يوماً الباشا سلطان جبل الدروز: “الدنية ولا المنية” يوم وجه ثأره لعدوه الحقيقي غير آبه بالمنية لأنها منية مشرفة في معركة مشرفة، واليوم ومن أجل نخوة حقيقية وثأرٍ عادلٍ حقيقي يستحق الاحترام، ومنية ليس فيها دنية؛ عليكم بأعدائكم وثأركم الحقيقي وقلوبنا معكم.
فواز تللو
برلين – ألمانيا 27/07/2018