ليست ضربةً عقابيةً بل رفعُ عتبٍ وإطلاقُ وحش
الكاتب
فواز تللو
·
14/04/2018
الضربة “الأمريكية البريطانية الفرنسية” كانت “رفع عتب” وآثارها القادمة أكثر سوءا منها، لم تحقق أياً من أهدافها ولو بالحد الأدنى، بل أعطت عكس المطلوب منها، وذلك لأنها لا تعني فقط بأنه قد تم الإفلات من عقاب حقيقي يتناسب مع التصعيد السياسي والمقدمات الدولية الكبيرة التي سبقت تنفيذ الضربة، بل الأخطر أنها تعني أيضا أن استخدام السلاح الكيماوي بات متاحا من وقت لآخر في معارك النظام الأسدي وحلفاؤه العسكرية الحاسمة عند الضرورة، لأن الثمن بات معروفاً ورخيصاً جدا، بكل الأوجه التي تحملها كلمة “رخيص” من معان، بمضمونها وأطرافها ووسطائها.
صفقة “استخدام الكيماوي عام 2013” التي أدارها “أوباما” شخصياً غير الراغب بتنفيذ ضربة تضعف أو تسقط النظام الأسدي؛ صفقة توسطت وكانت وراءها إسرائيل وتضمنت التخلص من الكيماوي مقابل وقف الضربة “الاستعراضية” لكن الخطيرة على نظام ضعيف مترنح تلك الأيام، وكانت النتيجة بالمحصلة إيجابية للنظام حيث حقق السلاح الكيماوي الغرض منه بالحفاظ على النظام الأسدي ولو كان “بالتخلص من الكيماوي عبر مفتشين” بدل ضربة عسكرية لها آثار جانبية خطيرة، والإيجابية الوحيدة للثورة السورية يومها أنها تجنبت ولخمس سنوات تعرضها لهذا السلاح غير القابل عسكرياً للرد.
صفقة “استخدام الكيماوي عام 2018” التي أدارها مساعدو “ترامب” الذين عملوا على كبح رغبته بتنفيذ ضربة قوية عسكرية للنظام تحمل رسالة قوية سياسياً لحلفائه لكن دون أن تسقط النظام؛ صفقة توسط وكان وراءها أردوغان وماكرون وتضمنت تنفيذ “ضربة استعراضية” فارغة المضمون هدفها فقط إرضاء “ترامب” دون أي أثر عسكري على النظام، ودون أي نتائج سياسية تؤثر على دور وأهداف حلفائه الإيراني والروسي في سوريا، ولم تحمل أي نتائج إيجابية للثورة بل حملت الكثير من المكاسب السياسية المباشرة للنظام الأسدي وحلفاءه الروسي والإيراني والتي ستنعكس لاحقاً بمكاسب عسكرية بعد استئنافهم بنشاط وثقة عملية تدمير وتهجير المناطق المحررة في الشمال والجنوب، وهو ما سنرى مقدماته بضربات عسكرية جوية وحشية بحق المدنيين السوريين سيقوم بها الروس “انتقاماً” لكرامة “بوتين”، مع جائزة ترضية للأتراك تتمثل بمنحهم القليل من “الفتات” في سوريا بإذن من الروسي، بعد ان أخرجهم الأمريكي من المولد “بدون حمص” خلال سنوات من استجدائهم وخضوعهم له في ملف سوريا، مع ترسيخ لدور فرنسي جديد يقوده “ماكرون” الذي يقلص بنشاط المسافة السياسية الفاشية مع منافسته “ماري لوبان” وقد يسبقها بينما تحول إلى الحليف الضمني للروسي والإيراني وسياساتهم في سوريا والمنطقة، و”غير المعادي” شكلاً للنظام الأسدي الطائفي والمؤيد ضمناً لاستمراره وإعادة تأهيله بكل بنيته الطائفية بما فيها رأسه.
هي مفارقة غريبة، حيث تبدو صفقة حليف إيران “أوباما” أقل سوءاً من صفقة عدوها “ترامب”، وحيث يظهر الإسرائيلي أقل سوءاً في وساطته من الفرنسي والتركي، وقد حملت مبادرته يومها على الأقل جانباً إيجابياً وحيداً للثورة السورية، بل كانت مبادرة أقل سوءاً بالأمس من الدور التركي اليوم الذي تحول من “حليف استراتيجي” إلى “حليف الضرورة” المكافئ لموقع يتوجه له تدريجياً وحثيثاً يتمثل بـ “العدو الأقل سوءاً” في الساحة السورية التي بات يعتمد بقاء أي طرف سوري فيها على وجود غطاء عسكري/سياسي دولي وإقليمي لا يرعاه فقط بل يقوده حرفياً كقطيع من الأغنام يتم تسمينها لذبحها تباعاً وفق الحاجة، ووفق حقيقة صارخة تقول بأن لا حلفاء للثورة السورية ولا لتضحيات السوريين، بل أعداء لابد من المفاضلة بينهم، وربما كان ما جرى في مفاوضات “دوما” مثال صارخ على ذلك حيث اضطرت اللجنة المدنية المفاوضة وفي غياب أي جهد دولي أو إقليمي، للتعامل مع الروس وتسليمهم المدينة كـ “أعداء ضامنين” لكي لا يسلموها لـ “الأعداء الأسوأ” أي النظام الأسدي والإيرانيين.
وهكذا يتحول الأمريكي والروسي إلى رعاة أساسيين للملف السوري وأطرافه، والإيراني والتركي إلى رعاة ثانويين، والإسرائيلي إلى مراقب يلعب مع الجميع وتتقاطع عنده مسارات كل هذه التحالفات أو تتنافر ليقوم بتنظيم سيرها “كشرطي مرور على تقاطع طرق مزدحم” عندما تمس مصالحه وأهدافه، لينظم عند الضرورة بشكل مباشر أو غير مباشر حدود التقاطعات والخلافات بين جميع رعاة الملف السوري دون استثناء: “الأمريكي والروسي والتركي والإيراني عبر الروسي”، أما السوريون وبكل مواقعهم وتخندقاتهم فقد تحولوا إلى أغنام لدى هؤلاء “الرعاة”، أغنامٍ يتم رعايتها وتسمينها تمهيداً للذبح في بازار مصالح الرعاة وأتباعهم الإقليميين، وستكون البداية برد وحشي انتقامي روسي رداً على “جرح كرامة بوتين” كما صرح الروس، انتقامٌ سيطال آلاف الأبرياء وتهجير مئات آلاف آخرين وتدمير آلاف المنازل وتوغل روسي إيراني أكثر في السيادة السورية، وسط صمت رعاة الصفقة وأطرافها الذين أعطوا بصفقتهم هذه؛ أعطوا الوحش الضوء الأخضر للاستمرار بجرائمه بعد ضمان الإفلات من العقاب، والوحش هنا ليس النظام الأسدي والإيراني فحسب؛ بل الروسي الذي يقول كل منطق أن استخدام الكيماوي كان بأوامر وإشراف مباشر منه.